يعتبر العلامة المغربي الراحل علال الفاسي(1910-1974م) أحد أقطاب الفكر الإسلامي الحديث الذين شغلوا بهموم الأمة وقضاياها ، وساهموا بفكرهم وكتاباتهم في وضع معالم الطريق من أجل التحرر من الاستعمار المباشر وغير المباشر والتبعية الثقافية ، ووضعوا مشروعات إصلاحية لإنجاز النهضة المنشودة في كافة الميادين.
ورغم أن العلامة علال الفاسي قضى جزءا كبيرا من حياته حتى وفاته عام (1974م) في "بودابست" يناضل ضد الاحتلال الفرنسي للمغرب وأقطار المغرب العربي ، وعاش في السجون والمنافي ردحا من الوقت ، فقد ترك أعمالا كثيرة رابت على السبعين كتابا ، بعضها لا زال مخطوطا ينتظرالطبع ، وهي مهمة تضطلع بها " مؤسسة علال الفاسي" التي تبذل جهودا في هذا الإطار، و تغطي هذه المؤلفات جميع المجالات والعلوم والمعارف ، من الفقه والحديث والقانون ، إلى الفلسفة والسياسة والأدب والاجتماع واللغة.
وإلى جانب انشغاله بالقضايا السياسية والاجتماعية ، من الاستعمار إلى قضية فلسطين التي كانت في صلب همه، كان للمفكر الراحل اهتمام كبير بالأدب والشعر، بل يعد أحد رواد القصيدة المغربية الحديثة ، وقد خلف في ذلك ديوانا ضخما في ثلاث مجلدات ضمنها جميع شعره الذي نظم ثلثيه في المنافي وديار الغربة ، يدور كله حول القضايا الدينية والاجتماعية والسياسية والتعليمية.
وقد حظي فكرالعلامة علال الفاسي الذي يلقب في المغرب بـ( زعيم التحرير) باهتمام واسع ، لكن أعماله الأدبية لم تلق نفس الاهتمام . وكان له دوره الرائد في الكتابة للأطفال منذ العشرينيات من القرن الماضي حينما كان أدب الأطفال في العالم العربي يسير خطاه الأولى قبل المشي السوي فقد ظل مغيبا ، وبالرغم من وجود البحوث والدراسات التي اهتمت بفكره التربوي ومشروعه في الإصلاح التعليمي ، إلا أن هذا الجانب الذي يندرج في صميم المشروع الإصلاحي الواسع الذي جاء به لم ينل حظه من البحث.

 

مفهوم الطفولة عند علال الفاسي

عني علال الفاسي عناية كبرى بقضية التربية والتعليم في المغرب والعالم الإسلامي ، كضرورة لازمة لأي مشروع نهضوي . وقد وضع لهذا الغرض كتابه ذائع الصيت " النقد الذاتي" الذي تحدث فيه في أكثر من أربعمئة صفحة عن شروط النهضة الفكرية والثقافية والتعليمية والسياسية والاقتصادية ، وحدد فيه معالم الطريق إلى التنمية الشاملة من منطلق إسلامي منفتح على العصر غير منغلق ، وخصص في الكتاب فصلا هاما في أكثر من مئتي صفحة تحت عنوان " الفكر الاجتماعي" تطرق فيه إلى قضايا الأسرة والتربية والتعليم .
اعتبرعلال الفاسي أن قضية الطفولة قضية خطيرة في المجتمعات الإسلامية ، كونها البداية الأولى لإنسان المستقبل صانع الغد والفاعل في التاريخ ، فرأى أن" قيمة البيت في الإتجاه الديني خطيرة جدا وأن على الأسرة" مهمة خطيرة هي تربية المُثل الدينية والأخلاقية والقومية في نفوسنا، وإن كل التقصير في هذا الباب داخل البيت لا يؤدي إلا إلى الإضرار بنا في مستقبلنا ومستقبل بلادنا".
وعرّف الطفولة بقوله : الطفولة هي مهد الانطباعات الجميلة أو القبيحة ، ولذلك فإن للبيت مهمة تربية الذوق في نفوس أبنائه، فيستطيع أن يربي فيهم حاسة الشعوربالجمال وحبه، والقبح واستنكاره ، وحاسة الرحمة والشفقة والحنان ، وما إلى ذلك من وسائل التربية الإنسانية التي تكون منا متحضرين بالمعنى العميق للكلمة.
ورغم أن علال الفاسي لم يهتم بأدب الأطفال من حيث التنظيرالمباشر له ، إلا أن أفكاره المتفرقة في جل كتبه تتضمن إرهاصات عن ذلك الموضوع. ويمكن إرجاع غياب التنظير المباشر لهذا النوع الأدبي لديه إلى أنه كان يرى في هذا الأخير وسيلة مكملة للتربية الأسرية والمدرسية الإسلامية السليمة ، في وقت لم يكن أدب الأطفال في العالم العربي قد استوى على سوقه بعد ، جنسا أدبيا مستقلا عن التربية بالمفهوم العام ، يجمع بين الشروط الأدبية والوسائل التربوية.
وقد وضع علال الفاسي قصيدة مطولة سماها( المثل الأعلى في الصدق والثبات وحسن الإنابة ) نظم فيها شعرا قصةَ الثلاثة الذين تخلفوا عن مشهد تبوك في السنة التاسعة للهجرة النبوية ، وهم: كعب بن مالك الخزرجي ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية الأوسيان ، قدم لها بمقدمة طويلة من أربع صفحات كشف فيها عن منظوره لأدب الطفل المسلم باعتباره وسيلة تربوية هادفة ، واعتبر أن إحياء المُثل الإسلامية للسلف وتقديمها للناشئة في حُلّة أدبية هو الوسيلة الفضلى للتربية الدينية ، وختم المقدمة بهذا القول: فعسى أن يكون في هذه القصة التي نقدمها اليوم بكل تواضع لشبيبتنا تحويلا للأنظار إلى هذه الناحية من نواحي التربية ، وهذا المورد الهني من موارد الأخلاق الفاضلة والشيم المثلى .


وتبدأ القصيدة بهذه الأبيات الموجهة إلى الأطفال والشباب:

أيها الناشئ في الروض الأمين  
فطــــرة الخــلاق بين العــالميـن

لك أروي أثــــــرا مزهــــــرا
 
لم تشنه نزعــــــات المفتـــــرين

عن أمين الله( كعب) وهــو من
 
لزم الصــــدق وبذ الصــــــادقين

فيــــه للنـــاشئ درس نافـــــع
 
من دروس العامليــن المخلصين

وأجــــــل الدرس عندي قيمــة
 
مــا أرى فيه(عظات النـــاشئين)

فأصخ سمعــك نحوي واعتبــر
 
فأنا الناصــــح ذوالقــول المتـين

واستمعها قصـــــة مجلــــــوة
 
وحديثا من (رياض الصالحيـن)


 

نماذج من شعره

بالإضافة إلى شعره الموجه إلى الصغار المبثوث في ديوانه الضخم، فقد ترك علال الفاسي مجموعة للأطفال سماها( رياض الأطفال- شعر سهل بالصور) ضمنها 16 قصيدة ، هي:الله جل جلاله- سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم - القرآن الكريم - وطننا المغربي - جلالة الملك - أنشودة الصباح – المحفظة – الكتاب – الكرة - حنان الأم - فضل الوالدين – المعلم - الأرنب والسلحفاة - الناموسة والثور- االطبل والثعلب - سلطان الطلبة.
وواضح من ترتيب القصائد هذا أن علال الفاسي المجاهد من أجل التحرر والاستقلال أراد من ذلك النزول عند البناء الذاتي للطفل المغربي المسلم ، من بنائه مسلما إلى بنائه مواطنا وطني النزعة إلى تهذيبه وتحسيسه بروح الجمال في الكون وتعليمه وتدريبه، خصوصا إذا علمنا أن تلك القصائد وغيرها مما كان يتغنى به أبناء المدارس المغربية على عهد الاحتلال الفرنسي كأناشيد مدرسية، أو أعضاء "الكشفيات" الخاصة بالأطفال التي أشرف علال الفاسي شخصيا على تكوينها. وهنا يفهم أن نشيد "جلالة الملك" كان موجها إلى فرنسا وسلطة الحماية التي أبعدت الملك الراحل محمد الخامس عام (1953م ) إلى جزيرة مدغشقر وتنصيب ملك عميل محله ، وهو ما فجر المقاومة الوطنية وألهب مشاعر المغاربة.


في نشيد " الله جل جلاله " يقول علال :

الله جــــل جـــلالــــه  
رب العبــاد المفـــرد

أثــــــاره لوجـــــوده
 
في كـــل شيئ تشهد

على الصفات،فمـــا له
 
فيهــــا شبيه يوجــــد

الأوحــد البــاقي، فما
 
يفنـــى، ولا يتعــــدد

المبــدع الدنيــا، ومن
 
فيهـا ومــن يتجــــدد

متصــــرف في ملكه
 
ولـه العــــوالم أعبــد

وهـــــو العليم بعـبده
 
وبمـا يســــــر ويعقد

فخـــف الإله وراعه
 
فهو القديـــر الأوحـد

إياه فاعبـــد واستـعن
 
فيمــــا تروم وتقصـد

لا تـــدع إلا الله فــي
 
شيئ، وأنت مــوحــد


وفي نشيد "سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم" يقول:

سيـــــدنا محمــد  
نبينــــا الممجـــد

أرسلتــــه إلهنــا
 
للخلق كي يوحدو

فجــــاءنا مبشـرا
 
بكل خير يسعـــد

وبالعـــذاب منذرا
 
لكل فرد يجحـــد


وفي نشيد " القرآن الكريم " يقول :

إن كتـــــــــــــاب الله  
بـــه أنـا أبــــــــاهي

أحفظه في صــــغري
 
لفهمـــــه في الكبـــر

يقــــــرأه لســــــاني
 
بغايــــة البيــــــــــان

في دفتري ولــوحتي
 
إن كنت في مدرستي

وإن حفظــت ســورا
 
قرأتهــــــا مكــــررا

بيــن يــدي معلـــمي
 
مجـــــــــودا للكــلــم

 

المصدر :

 www.islamtoday.net/articles/show_articles_content.cfm?artid=2538&catid=35